معاذ الجامعي..حين لا تكفي النوايا الحسنة

افتتاحية جريدة العاصمة/ محسن الحسوني

في حدث أثار تساؤلات وجدل في توقيته، تم توقيف معاذ الجامعي، والي جهة فاس مكناس، خلال عطلة عيد الأضحى، هذا القرار، الذي ينتظر أن تتضح أبعاده النهائية، يأتي ليضع حدًا لمسيرة رجل وصل إلى قلب واحدة من أعقد الجهات ترابيًا وسياسيًا، مسلحًا بحماس الإصلاح وروح الانفتاح، لكنه اصطدم بواقع مدينة لا تغفر الأخطاء في قراءة مفاتيحها العميقة.

 

لم يكن الوالي الجامعي شخصية اعتيادية في المشهد الإداري بجهة فاس مكناس، لقد جاء محملاً بتجربة واسعة، ورغبة صادقة في التغيير، ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن مساره شابته أخطاء استراتيجية أدت إلى هذا المآل، المبالغة في تطبيق القانون على الهامش وإغفال الجوهر، بينما انهمك الوالي في ملاحقة قضايا ثانوية، مثل أعوان السلطة أو بعض المحلات التجارية والمقاهي، فيما ظلت ملفات استراتيجية ضخمة – كالعقار، والنقل، والمرافق العمومية – بمنأى عن الحزم اللازم والجرأة المطلوبة لمعالجتها.

Ad image

 

كما أن الإنفتاح المفرط في مدينة تحتاج إلى ضبط المسافات، إذ اختار الجامعي سياسة الباب المفتوح على مصراعيه، مستقبلاً الجميع، مما خلق انطباعًا خاطئًا لدى الكثيرين بأنهم “أصدقاء الوالي”، هذا النمط من التعامل، في مدينة ذات نسيج اجتماعي وسياسي معقد، يتطلب توازنًا دقيقًا في الإشارات والتفاعلات و الشعبوية.

 

ومن بين الأخطاء القاتلة لوالي جهة الشرق سابقا، غياب التنسيق والشراكة مع المجالس المنتخبة، على مدار ولايته، ولم تُسجل أي شراكة ناجحة أو توافق حقيقي بين الوالي والمجالس المنتخبة، إذ ظل التنسيق ضعيفًا، والعلاقة متوترة أو فاترة، مما أفرغ مفهوم الجهوية الموسعة من مضمونه وأعاق تنفيذ المشاريع، كما أنه لابد من القول أن الإفراط في الحديث وتسريب المعلومات الحساسة، إذ تميز الوالي بكثرة الكلام داخل الاجتماعات، وتناوله لأمور دقيقة تخص الشأن العام، هذا الأسلوب أدى إلى تسريب مداخلاته وانتشارها خارج سياقاتها الرسمية، لتتحول من توجيهات حكيمة إلى مادة متداولة، مما أثر على هيبة القرار والإدارة.

 

هذه المعطيات أدت لفشل في استيعاب “النسق الفاسي” الخاص، فاس ليست كباقي المدن المغربية؛ لديها نخبها، توازناتها الدقيقة، رموزها، وأسلوب خاص في الحكم والتدبير، من لا يدرك هذه الخصائص ويتعامل معها بتبصر، مآله السقوط، بغض النظر عن مدى حسن نواياه.

 

على الرغم من أن القرار الحالي ما زال في طور التحقيق ولم يصدر بشأنه إعفاء نهائي رسمي حتى الآن، إلا أن التوقيف يشير إلى ضرورة تصحيح المسار، فاس اليوم في أمس الحاجة لوالٍ على قدر التحديات الجسام التي تواجهها، استثمارات كبرى تنتظر، مؤسسات تبدو مشلولة، مشاريع متعثرة، ونخب تعيش حالة من التوتر، الوالي القادم، أياً كان اسمه، سيكون مطالبًا بتحقيق التوازن الصعب بين هيبة الدولة وفعالية الإدارة، وبين القدرة على ضبط الفوضى وفتح آفاق جديدة للتنمية.

Ad image

أما معاذ الجامعي، فسيظل في ذاكرة فاس كوالٍ حاول، لكنه لم يُحسن فهم المدينة، وفي عالم السياسة والإدارة، لا يكفي امتلاك “النوايا الحسنة”؛ بل الأهم هو تحقيق “نتائج ملموسة”، في انتظار التحقيقات الجارية التي ستحدد المصير النهائي لولاية جهة فاس مكناس في الأيام القادمة.

شارك المقال :
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *