القاعات السينمائية بمكناس في طريقها للاندثار.. صالات أغلقت وأخرى تحولت إلى إقامات سكنية ومكاتب إدارية وقيساريات

تم النشر بتاريخ 31 يناير 2025 على الساعة 12:08
جريدة العاصمة / خليل المنوني
«تجربة رائدة مع السينما…ولكن… !»
للعاصمة الإسماعيلية تاريخ عريق وتجربة رائدة مع القاعات السينمائية، التي شكلت، إلى عهد قريب، فضاءات تستقبل المئات من المكناسيين في ساعات كانوا يلبون نداء داخليا يتردد كل يوم اسمه «حب السينما». كل يوم يجسد مناسبة للمسؤولين عن الشبابيك لاستقبال وجوه مختلفة يكتشف في قسماتها وضعيتهم وانتماؤهم الاجتماعي، تقاسموا في زمن جميل من زمن الفن السابع في المغرب حرارة الفضاء رغم بساطة التجهيزات. وبعيدا عن المشاكل الطارئة والمستساغة في ذلك الزمن، كان هناك ود متواصل بين المشاهد المكناسي وقاعاته السينمائية، التي كان يجد فيها البعض حضنا وفيا يصعب فراقه.
كانت تلك ذكريات من سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، صارت نسيا منسيا وبات لواقع القاعات السينمائية شكل آخر، لأسباب، في نظر مهتمين ومتتبعين لمسار السينما في المغرب، متداخلة بين مسؤولية السلطات المحلية في دعم القاعات وتفعيل قوانين حقوق التأليف وحماية المنتوج ومحاربة القرصنة، وبين نجاح أو فشل المركز السينمائي المغربي في إنعاش هذا الواقع، في ظل الحديث عن استراتيجية واضحة المعالم وقابلة للتطبيق، دون نسيان طرح السؤال حول مسؤولية المتلقي في تراجع القاعات السينمائية.
« إلى غاب الزين كيبقاو حروفو…»
« إلى غاب الزين كيبقاو حروفو…» إنه المثل الشعبي المغربي الدارج، الذي ينطبق وصفه على حال القاعات السينمائية بجغرافية مكناس، التي باتت تعيش على إيقاع الماضي الدفين بحلوه ومره، بعدما أغلقت في وجه مرتاديها، في انتظار التفاتة جدية من الجهات المعنية حتى تخرجها من هذا «الموت السريري».
وسط المدينة المليونية تستوقفك أطلال قاعات سينمائية، ظلت شاهدة على العلاقة الوطيدة، التي ربطت عبر عقود جمهور مكناس بها، كما هو الحال بالنسبة إلى قاعات«المونديال»، التي تحولت إلى قيسارية لبيع الملابس الجاهزة، و«الأطلس» و«أبولو»، وثلاثتها توجد بشارع روامزيل بالمدينة العتيقة، و«أ.ب.س» بشارع نهرو، و«الريف» بحي الرياض(الملاح الجديد)، التي أضحت مركزا ثقافيا، و«الملكي» بحي برج مولاي عمر، وجميعها أغلقت منذ سنوات، إلى جانب سينما «داوليز» وسينما«ريجان» التاريخية بزنقة الأمير عبد القادر، التي تحولت إلى إقامة سكنية وسينما«أمبير»بشارع محمد الخامس بالمدينة الجديدة(حمرية)، التي شيدت على أنقاضها عمارة خاصة بالمكاتب، هذه القاعة التي كانت تستقطب فئات مثقفة عديدة ومنظومة تلاميذية وطلابية متنوعة الخلفيات والمرجعيات بالعاصمة الإسماعيلية، عبر ما كان يسمى بـ«السينيكلوب» أو النوادي السينمائية.
«قاعة كاميرا تقاوم شبح الاندثار»
وحدها قاعة سينما «كاميرا»، الواقعة في مفترق شوارع محمد الخامس والحسن الثاني وعلال بن عبد الله بالمدينة الجديدة(حمرية)، التي تأبى إلا أن تقاوم شبح التيار القوي الذي جرف «أخواتها» وحولها إما إلى أطلال أو إلى بنايات سكنية وتجارية. هذه القاعة التي أسست سنة 1938 من طرف الفرنسي ساندو كوسماس (SANDEAUX COSMAS)، لتعود ملكيتها في ما بعد لعائلة الراحل العلمي التازي، التي تشرف عليها الآن.
ارتبطت هذه القاعة بتاريخ المدينة، بل وبتاريخ أسماء سينمائية تربت على الثقافة السينمائية والفنية داخلها. كما هو الحال بالنسبة إلى الممثل والمخرج إدريس الروخ وفوزي بن السعيدي وأسماء أخرى ارتبطت بالسينما وحضور الثقافة السينمائية بعاصمة المولى إسماعيل.
جرى إعادة افتتاح سينما «كاميرا» بمكناس يوم السبت 13 ماي 2023، بعد خضوع جميع مرافقها للترميم والإصلاح وتجويد تقنيات اشتغالها، من خلال عرض الفيلم السينمائي المغربي «ضاضوس» للمخرج عبد الواحد لمجاهد، وهو العرض الذي أرخ لعودة الروح والنشاط إلى هذه المعلمة الثقافية التاريخية، التي تسكن الكثير من ذاكرة المكناسيين، ضمنهم مالكها جمال الدين التازي، الذي أكد أن هذه القاعة السينمائية ليست سينما عادية كسائر القاعات، بل هي متحف فني وتاريخي ونقطة التقاء رواد السينما والثقافة بالمدينة وفرصة لمناقشة الفنون، بل وهي منارة وزاوية للفن بمكناس، على حد تعبيره.
وأبرز التازي أن سينما«كاميرا» انطلقت مع مسيرته الحياتية، خلال فترة ستينيات القرن الماضي، حينها كانت مكناس تتوفر على تسع أو عشر قاعات سينمائية، كلها أغلقت. وتابع «الدافع وراء إعادة فتح السينما لا يرتبط بمردود مادي، بل هو عرفان للفن السابع ولمكانة السينما في مكناس. أكبر دعم تلقيته، يضيف جمال التازي، ولا زلت أتلقاه، هو الدعم المعنوي من عشاق ومحبي الفن السابع، في شخص محمد بيوض، المدير الفني للمهرجان الدولي لسينما التحريك بمكناس، ومحمد خونا وسهام الفايدي».
