الشروع في التحقيق مع قاتل والده بمكناس يواجه تهمة جناية القتل العمد في حق أحد الأصول وإخفاء معالم الجريمة

تم النشر بتاريخ 28 يناير 2025 على الساعة 11:21
جريدة العاصمة / خليل المنوني
من المقرر أن يشرع القاضي محمد بنمنصور، رئيس الغرفة الثانية للتحقيق لدى محكمة الاستئناف بمكناس، يوم غد الأربعاء، 29 يناير الجاري، في البحث تفصيليا مع المتهم بقتل والده السبعيني. ويتعلق الأمر بالمناضل اليساري، المسمى قيد حياته(حسن التيجارتي)، الذي خلفت وفاته صدمة وسط مكونات أحزاب اليسار بالعاصمة الإسماعيلية، ومعها الشغيلة التعليمية بالمدينة، إذ أنه سهر على تربية الأجيال لأزيد من ثلاثة عقود قضاها أستاذا لمادة الفلسفة وبعدها حارسا عاما بالسلك الثانوي التأهيلي، قبل أن يحال منذ حوالي 14 سنة على التقاعد.
وكانت عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بولاية الأمن بمكناس، التي تولت البحث في هذه القضية، أحالت ظهر يوم الأحد 12 يناير الجاري، المتهم الأربعيني على أنظار أحد نواب الوكيل العام للملك باستئنافية مكناس، الذي أحاله بدوره على رئيس الغرفة الثانية للتحقيق للبحث معه حول المنسوب إليه، بعدما وجه له تهمة جناية القتل العمد في حق أحد الأصول، وإخفاء معالم الجريمة، إذ أمر بوضعه رهن تدبير الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي تولال2، في انتظار الشروع في محاكمته طبقا للقانون.
لم يكن الوالد الضحية(75 عاما) يتوقع ولو من باب الأحلام والكوابيس الليلية المزعجة أن عقارب ساعة حياته ستتوقف عن الدوران، وبطريقة مأساوية للغاية، على يد فلذة كبده، الذي كان من المفروض أن يرعاه ويبره ويحسن إليه في أرذل العمر، وهو الذي بلغ من الكبر عتيا واشتعل رأسه شيبا. غير أن الابن القاتل نسي أو تناسى أن بر الوالدين والإحسان إليهما يعدان من أهم الفرائض ومن أعظم الواجبات، بل وهما مقدمان دينيا على الجهاد في سبيل الله كما جاء في الصحيحين. تقمص هذا الابن العاق، المدمن على التعاطي للمخدرات بشتى أنواعها، بما فيها الحبوب المهلوسة، دور وحش آدمي وتربص بجسد والده النحيف تحت سقف بيت الأسرة، الذي يعيشان فيه معا، بعد وفاة زوجة الأخير منذ أكثر من 15 سنة، وهناك قام بالاعتداء عليه وإزهاق روحه ببرودة دم، وكأنه أسد يصول ويجول وسط محمية طبيعية، متلذذا بطريقة سادية بنهش”فريسته”.
كان الخيط الرفيع الذي قاد إلى فك لغز هذه الجريمة الشنعاء، التي اهتزت لها ساكنة عاصمة المولى إسماعيل، هو إقدام أحد جيران الضحية على استفسار الابن المتهم عن سر وسبب غياب والده عن الأنظار، ما جعله يرد عليه بطريقة مستفزة، صارخا في وجهه”واش أنت شغلك يغيب ولا يحضر، راه مسافر، ومرة أخرى ما تعاودتش تتدخل في الأمور اللي بعيدة عليك، يالاه بوج من قدامي”، فما كان من هذا الجار إلا إشعار قريب الأستاذ، حيث سارع المعني بالأمر إلى ربط الاتصال بالشرطة القضائية بالمدينة، مبلغا عن اختفاء قريبه عن الأنظار لمدة أسبوع وفي ظروف غامضة، بل وبشكل لم يعتده الأقارب و لا حتى الجيران، ما جعل الشرطة القضائية تدخل على الخط، وتشرع في مباشرة تحرياتها وأبحاثها في النازلة.
استهل المحققون بحثهم في القضية بالاستماع تمهيديا، في محضر قانوني، إلى المتهم الذي حاول في الوهلة الأولى نفي علاقته باختفاء والده، مفيدا أنه أخبره منذ أيام برغبته في السفر لزيارة أحد أقاربه بمدينة مراكش. ظل الجاني متشبثا بسلاح الإنكار و”طلوع الجبل”، وهو السلاح الذي سيتحطم على صخرة مواجهته بتسجيلات كاميرات المراقبة المثبتة بمدخل الإقامة السكنية، إذ أظهرت أن الضحية ونجله حلا بشقتهما ليلة وقوع الحادث، وبعدها اختفى الأول عن الأنظار. كما ووجه الجاني بتسجيل ثان يظهر فيه وهو يهم بمغادرة الإقامة المذكورة، في الساعات الأولى من اليوم الموالي، في اتجاه عربة مجرورة، كانت مركونة على بعد خطوات قليلة من مدخل الإقامة، حاملا على كتفه شيئا غريبا مغطى بقماش أسود.
أمام كل هذه الأدلة والقرائن لم يجد المتهم بدا من الاعتراف بالمنسوب إليه جملة وتفصيلا، مصرحا أنه هو من قتل والده إثر نشوب خلاف بينهما، قبل أن يتطور الأمر إلى توجه الجاني إلى المطبخ وتحوزه سلاحا أبيض، عبارة عن سكين من الحجم المتوسط، ليطعن بواسطتها والده في أنحاء متفرقة من جسده، كانت سببا مباشرا في إزهاق روحه.
وأضاف المتهم أنه بعدما قام بالإجهاز على والده لف جثته في قماش، قبل أن يسارع إلى إحضار عربة مجرورة، وتحت جنح الظلام والناس نيام، وضع عليها جثته وتوجه نحو منطقة خلاء، بمحيط المحطة الكبرى للقطار، وهناك قام بإحداث حفرة بواسطة فأس أحضرها معه، ودفن فيها الجثة، وعاد قافلا إلى المنزل وكأن شيئا لم يقع.
وأكد المتهم أن العلاقة بينه وبين والده كانت متوترة للغاية، نتيجة تعاطيه للمخدرات وميله لحياة الانحراف، الأمر الذي كان يقلق راحة أبيه ويجعله يعاتبه عتابا حادا، مبديا ندمه الشديد على ما اقترفته يداه في حق والده، تحت تأثير حبوب الهلوسة.