«الأيقونة في ترجمة قضاة مكناسة الزيتونة»… مؤلف يتناول تجربة القضاء في المدينة من العهد المرابطي إلى العهد العلوي

تم النشر بتاريخ 17 ديسمبر 2024 على الساعة 16:11

جريدة العاصمة / خليل المنوني

«الأيقونة في ترجمة قضاة مكناسة الزيتونة»، هو عنوان الكتاب الذي أصدره القاضي الدكتور محمد عبده البراق، رئيس المحكمة الابتدائية بطانطان، وقدمه الأستاذ عبد الله حمود، المفتش العام للشؤون القضائية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية. ويتطرق هذا المؤلف لتراجم أعلام القضاة بمدينة مكناس انطلاقا من العهد المرابطي إلى العهد العلوي المجيد، فضلا عن تطرقه للتطور التاريخي لمؤسسة القضاء بمكناس وتعداده للمحاكم والمؤسسات القضائية الأخرى التي تزخر بها حاضرة مكناس، بالإضافة إلى تطرقه لخصوصيات القضاء العبري بمكناس وأهم القضاة الأحبار الذين تعاقبوا على رأس المحكمة العبرية بمكناس.


ويستعرض هذا المؤلف الجديد، الذي يقع في أزيد من 500 صفحة من الحجم المتوسط، تجربة القضاء في العاصمة الإسماعيلية من العهد المرابطي إلى العهد العلوي، ويحتوي على ستة فصول هي: «التطور التاريخي والحضاري لمؤسسة القضاء بمكناس»و«تطور النظام القضائي بالمغرب»و«خصوصيات تسمية المناصب القضائية بالمغرب»و«التطور الحضاري للمؤسسات القضائية بمكناس» و«قضاة مكناس في العهد العلوي ما بعد الاستقلال»و«النظام التشريعي والقضائي للطائفة اليهودية بالمغرب».

ويغطي هذا الكتاب تراجم القضاة وتاريخ القضاء في العاصمة الإسماعيلية لفترة تزيد عن عشرة قرون، عاكسا شغف واهتمام المؤلف محمد عبه البراق بكتب التراجم والتاريخ، معتمدا على سلسلة ومجموعة من الكتب الموثوقة في الموضوع، وسرد العديد من التراجم الخاصة بالقضاة، سواء المنتمين للحاضرة الإسماعيلية أصلا ووظيفة أو تراجم من اشتغل بها في مجال القضاء. وهي التراجم التي همت حقبا زمنية مختلفة، تنطلق من العهد المرابطي إلى العهد العلوي المجيد.

وقد وصف المؤلف محمد عبده البراق في معرض حديثه عن القضاة العديد من الحوادث المتعلقة بشؤون القضاء وصفا جيدا، كما أنه لم يغفل التطرق لعلاقة القضاة بباقي مؤسسات الدولة. وبالاطلاع على هذه الثلة من التراجم الشاهدة على تاريخ نخبة من أعيان مكناسة الزيتون ودورهم في الحياة السياسية والاجتماعية، نجدها تعطي صورة واضحة وجلية عن طبيعة المجتمع المكناسي وأطيافه، والذي يعتبر هؤلاء القضاة جزء لا يتجزأ منه.

وقد اتسم عمل المؤلف بالدقة والتنظيم، إذ يبدو أن الجهد الذي بذله واضحا في الترتيب الكرونولوجي لسرد تراجم القضاة، والرجوع ما أمكنه ذلك إلى المصادر التي اعتمد عليها، رغم قلتها، وتوضيح ما وجب توضيحه في هوامش صفحات الكتاب. وقد راعى كتابة بعض التراجم حرفيا كما وردت في الأصل، ومشيرا إلى التصويبات عند وجود خطأ أو التوضيح عند الوقوف على كلمات مبهمة. وبعمله هذا يكون الدكتور البراق قد عرف بالأعلام التي وردت في الكتاب على قدر الإمكان، والوصف نفسه ينسحب على المدن والأماكن.
كما يجسد عمل المؤلف الجهود الجبارة التي بذلها لحفظ الذاكرة القضائية لمدينة مكناس، وتسليط الضوء على عدد كبير من رجالاتها، الذين ساهموا بعملهم وجهودهم في بناء القضاء الوطني.

إلى ذلك، لم يقتصر الكاتب في مؤلفه على القضاة الذين تعاقبوا على مجالس القضاء بحاضرة مكناس على القضاة الشرعيين خلال فترة ما قبل الحماية الفرنسية، بل سلط الضوء على مجموعة من المسؤولين القضائيين، الذين تعاقبوا على محاكم المدينة بعد الاستقلال، كما أنه لم يهمل التطرق للقضاة العبريين وخصوصيات نظام القضاء العبري المعمول به في العاصمة الإسماعيلية، ما يدل على إحاطته وإلمامه الكبيرين بتنوع مكونات المجتمع المكناسي، ومساهمتها كرافد في تكريس غنى الشخصية المغربية على جميع الجوانب، ومنها طبعا الجانب القضائي.

واعتبر الدكتور محمد عبه البراق إلقاء الضوء على المعالم والأعلام القضائية بمكناس جرد للتطور التاريخي لمسار مهنة القضاء بالمدينة، كما أنه يساعد القارئ على الاطلاع على رجالات وشخصيات صنعوا فصلا من فصول الفخر والاعتزاز بتاريخ مغربنا الحبيب.

وأبرز المؤلف أن القضاء يعد بالفعل مجالا غنيا يثير فضول الباحثين، بالنظر إلى التقاطعات والاهتمامات المعرفية المشتركة بين علم التاريخ وعلم القانون والقضاء، مضيفا أن أحكام القضاة وأعمالهم تشكل شاهدا حيا على تطور المجتمعات، سواء من الجانب الأسري أو المدني أو الجنائي، وتابع« يشكل تطور التنظيم القضائي والمؤسسات القضائية شاهدا آخر على التطور الدستوري والتنظيمي لبنية الدولة ومؤسساتها. كما يشكل تعداد شخصيات القضاة المتعاقبين على المجالس القضائية بمكناس، بتنوع تشكيلاتهم، لمسة وفاء ونحت علامة اعتراف بالجميل للمجهودات التي بذلوها طيلة مشوارهم القضائي، ولتكون من جهة أخرى نبراس اقتداء وقدوة للأجيال الجديدة من قضاة المملكة، من خلال الاطلاع على سير هؤلاء القضاة العظام، الذين بصموا بأنامل من ذهب على محراب العدالة، وصنعوا جزءا مهما من تاريخ مدينة مكناس المجيد».

يشار إلى أن محمد عبده البراق، من مواليد 22 أبريل 1988 بمكناس المنزه، حاصل على دكتوراة الدولة في الحقوق في موضوع «مبدأ حسن النية في العقود في ضوء القانون والعمل القضائي دراسة مقارنة». واشتغل قاضيا للتحقيق لدى المحكمة الابتدائية بمكناس، إذ عرف بسمعته الطيبة في السلك القضائي. وإلى جانب عمله القضائي، يعتبر الدكتور البراق عضوا نشيطا في الجمعية الحسنية لقضاة المغرب، ما جعله يحظى برئاسة المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بمكناس، حيث أسهم بفاعلية في الأنشطة القانونية والاجتماعية، التي تهدف إلى تعزيز العدالة في البلاد. وبالموازاة مع ذلك، يشغل الأستاذ محمد عبده البراق منصب مدير تحرير مجلة«وليلي» للدراسات القانونية والقضائية. وفي أكتوبر الماضي تم تعيينه رئيسا للمحكمة الابتدائية بطانطان، وذلك في إطار الحركة الانتقالية للسادة والسيدات رجال القضاء، وهو التعيين الذي يمثل اعترافا بخبرته القانونية العميقة والتزامه بأداء مهامه بأعلى مستويات النزاهة والاحتراف.

 

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق