« حبس قارا»… جوهرة متميزة في عقد مآثر مكناس

تم النشر بتاريخ 10 ديسمبر 2024 على الساعة 12:22

جريدة العاصمة / خليل المنوني

تعتبر معلمة «حبس قارا»، التي بناها السلطان العلوي المولى إسماعيل في بداية القرن الثامن عشر داخل القصبة الإسماعيلية، من الفضاءات التاريخية، التي تجلب كثيرا من الزوار من مكناس أو مدن أخرى مغربية وسائحين أجانب، من أجل اكتشاف خصوصية هذه المعلمة الأثرية، الضاربة جذورها في عمق التاريخ.


وصمم هذا الحبس، المعد للأسرى وغيرهم من أصحاب الجرائم العظيمة، الذين يبيتون ليلا ويخرجون نهارا للخدمة، على شكل شبه مستطيل، مقسم على ثلاث قاعات واسعة جدا، حظيت كل واحدة منها بمجموعة من الأقواس والدعامات الضخمة.

وإن تعددت مسمياته بين المؤرخين من«الدهليز” في «الترجمانة الكبرى» للزياني، إلى«السرداب» في «إتحاف أعلام الناس بأخبار حاضرة مكناس» لعبد الرحمان ابن زيدان، إلى «المطبق» في «دليل القصبة الإسماعيلية» للمؤرخ الفقيه محمد المنوني، يبقى «حبس قارا » (بتخفيف الراء)ذلك«السرداب الهائل الكائن تحت أرض فسيح «قبة الخياطين»، ذو الأساطين المحكمة البناء والأقواس الضخمة الشاهقة تمر فوقه الركبان وتجر عليه الصخور العظيمة وتسير السيارات البخارية المشحونة بالأثقال ذات البال أناء الليل وأطراف النهار، بل جعلت فوقه جنات أشجار وبقول، وصارت تسقى بالماء كل آونة فلم يؤثر عليه شيء مما ذكر».

وتنتصب معلمة «حبس قارا» كأثر من الآثار الضخمة التي يقف أمامها الناظر مشدوها لدرجة توهم بعض الجاهلين أن ذلك فوق مقدور البشر وأنه من عمل الجان.

وإذا كانت المصادر التي تناولت «حبس قارا» بالتأريخ لم تجزم في مساحته الشاسعة المهولة والمحمولة على أقواس تتخلل أوائلها نوافذ سقفية للإضاءة، ولا حتى في أمر مدخله الأصلي الذي لا يزال مجهولا مكتفية بذكر الثقب الموجود في سطحه حذو الجدار المحيط ببراح «قبة الخياطين» من الجهة الغربية، والذي تتم منه عملية الدخول في الوقت الراهن، فإنها أشارت إلى أرقام السجناء، حيث يذكر مؤرخ الدولة العلوية ابن زيدان نقلا عن أبي القاسم الزياني «أنه كان في السجن من أسارى الكفار 25 ألف أسير ونيف، وكانوا يخدمون في قصورهم، منهم الرخامون والنقاشون والحجارون والحدادون والبناءون والنجارون والزواقون والمهندسون والمنجمون والأطباء… ولم تسمح نفسه بفداء الأسير بمال قط، وإنما كان يفدي ببعضهم من أسرى المسلمين وكان في سجونه من أهل الجرائم العظيمة كالسارق والقاطع والقاتل نحو 30 ألفا كلهم تقبل بالخدمة لأسرى الكفار ويبيتون بالسجون والدهاليز تحت الأرض».

وهذا «وانت» الإنجليزي الذي قدم لمكناسة الزيتون رفقة سفير الدولة الإنجليزية الباشا «دور شارل ستيورات» يقول« إن حلولهم بمكناس كان ثالث شهر يونيو 1721 ميلادية في الساعة الرابعة صباحا، وإن مقابلة السفير للسلطان كانت في السادس من الشهر ذاته، وإن مبارحته لمكناس كانت سابع عشر يوليو وصحبته من الأسارى الممنون عليهم بالفكاك من قبل السلطان 296 ».

يشار إلى أن الحديث عن المآثر التاريخية المغربية يطرح بالضرورة إشكالية العناية بها وتحديد المسؤوليات في المحافظة عليها وصيانتها وترميمها والتعريف بها. ولعل دور المواطن المغربي يبقى بالتأكيد أساسيا في هذا المجال. وهناك أكثر من مجال لدعم عمليات الإصلاح والترميم والصيانة والإنقاذ والتعريف بها، والتي تتطلب تظافر كافة الجهود … ومن أمثلة ذلك إحداث جمعيات خاصة بالمحافظة على المعالم الأثرية، وبالخصوص على مبنى أثري معين، أو تبني جمعيات معينة لمبنى أو لمجموعة مباني أثرية، كجمعيات المهندسين المعماريين، نوادي عدة، وكالات الأسفار ومكاتب المبادرات والسياحة، وغيرها من النوادي والجمعيات ذات الأهداف الاجتماعية والسياحية والثقافية، ومعها المنظمات غير الحكومية، دون أن نتجاهل طبعا المسؤولية المنوطة بوزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، باعتبارها الوصي الشرعي على هذه الآثار.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق