فؤاد… “فنان” كسر شوكة الإعاقة..لعب بطولة فيلمين قصيرين أشرف على إدارتهما الفنية الممثل الركاكنة
تم النشر بتاريخ 7 ديسمبر 2024 على الساعة 11:41
جريدة العاصمة / خليل المنوني
كما شاءت حكمة الله في خلقه أن ينعم بعض العباد ببدن معافى من كل علة، شاءت إرادته أن يعيش البعض الآخر بعاهة أو إعاقة سواء كانت ذهنية أو جسدية. كما أنه قد تشاء الأقدار أن يحيى العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة حياة أجمل وأكثر سعادة من إخوانهم الأسوياء، كما هو الشأن بالنسبة إلى فؤاد الفاطمي، الذي كتب له أن يرى النور في غبش إعاقة خلقية، لم يكن لها لتبعثر أوراق حياة أسرته المتواضعة أو تحد من فرحة ازديان فراشها بمولود ذكر جديد، ما دام نور إيمانها بالقضاء والقدر ظل يعم أرجاء بيت يعيله موظف بسيط، عاش عفيفا شريفا ولقي ربه عزيز النفس، تاركا أمانة رعاية “اليتيم المدلل” فؤاد لأرملة أعطت المثال الحي في حفظ الودائع، من خلال إيلائها عناية واهتماما خاصين به، وكأنه وحيد رحمها.
لم يشعر فؤاد الفاطمي يوما بعجز أو نقص، وهو يتحدى إعاقته الذهنية والجسدية بعزيمة كبيرة، ولم يكن يتوقع أحد، بمن فيهم أفراد عائلتيه الصغيرة والكبيرة، أن يصير هذا “المعاق/السوي” حديث الخاص والعام بالعاصمة الإسماعيلية. تراه في كل مكان، يجوب شوارعها وأزقتها ودروبها ليل نهار، فهو لا يستسلم للنوم إلا في ساعة متأخرة من الليل، ليستقبل يوما آخر بحيويته المعهودة وبطاقته المتجددة، يلتقي به مئات المارة، يضطر الواحد منهم للتوقف قصد الاستماع إلى أحاديثه وقصاصاته، مرغما أو طوعا، وهو يسرد جملة من المستجدات الطازجة والمثيرة، ويأتيك بما لم تزود من آخر الأخبار المتعلقة بمختلف الأنشطة التي تشهدها حاضرة باب منصور على امتداد السنة، (ثقافية ورياضية وسياسية…)، مبديا ملاحظاته الدقيقة فيها، دون أدنى إحساس بالنقص، قبل أن يمد المتلقي بمكان وتاريخ النشاط، حاثا إياه على ضرورة تأثيث مقاعد الحضور.
لذلك، ليس عجبا أن تجد “فؤاد” مسجلا حضوره في كل الأنشطة الثقافية والندوات والأمسيات الشعرية والموائد المستديرة والسهرات الفنية والعروض المسرحية والحفلات والمهرجانات الوطنية والدولية، حاملا”بادج” النشاط المنظم، ما ساعده على نسج خيوط علاقات متعددة مع عشرات المثقفين والمسرحيين والفنانين والرياضيين داخل مكناس وخارجها. وما إن تحاول استفساره عن أرقام هاتفية لمبدعين مغاربة أو صحفيين وطنيين أو وزراء، حتى يخرج من حقيبته الكتفية رزمة أوراق ومذكرة تحتوي على ما شئت من الأرقام والعناوين، بل ويباغتك، وهو الذي لا يجيد القراءة ولا الكتابة، بالرقم الذي تريده وبدقة كبيرة، يحدده سواء كان هذا الرقم لكاتب أو ممثل أو فنان أو مسرحي أو سياسي أو إعلامي …تعلق فؤاد بهؤلاء لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى احتفاظه بمئات الصور التذكارية التي أخذت له مع العديد من الأسماء والشخصيات الوازنة سواء في عالم الثقافة أو في المجالين الرياضي والسياسي، إذ أن “ألبوماته”، المتنقل منها والقابع في البيت، خير شاهد على ذلك.
هذا الشاب الذي شتان ما بين أن ترقبه من بعيد، حاملا حقيبته الكتفية المحتوية على العديد من الكتب والأوراق والصور التذكارية أو منهمكا في تصفح الجرائد والمجلات بأحد الأكشاك…، وبين أن تتجاذب معه أطراف الحديث بمقهى”لاتوليب”بالمدينة الجديدة(حمرية)، التي يحلو له الركون إليها في أوقات فراغه، لتراجع حساباتك في حكم القيمة الذي أصدرته في حقه من قبل، بل ولتجد نفسك أمام “حاسوب آدمي” جمع في مفكرته ما تفرق في غيرها(ما شاء الله)، ما جعله يحظى بلقب”حكيم مكناس”بامتياز، ويحظى كذلك بحب مبدعي ومثقفي ورياضيي ومنتخبي المدينة…فكما أنه لا أحد يتجاهل فؤاد “المثقف”، بحكم العلاقة الوطيدة التي تجمعه بكل ما هو فني وثقافي، فلا أحد يقلل من قيمته “ممثلا”، كان له شرف لعب أحد الأدوار الثانوية في الشريط التلفزيوني “رياضستان”، قبل أن يلعب، في مرحلة موالية، بطولة فيلمين قصيرين بعنوان “الأمل يوما ما” و”فؤاد”، اللذين أشرف على إدارتهما الفنية الممثل والفنان عبد الكبير الركاكنة، الذي لا يتأخر لحظة في تقديم الدعم للفنان فؤاد.
وهو إلى جانب ذلك كله، لا يكل ولا يمل من المطالبة دوما بإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة العامة، منصبا نفسه مدافعا عن حقوقهم، كلما أتيحت له الفرصة في ذلك.