جريدة العاصمة
كشفت لجان التفتيش التابعة لوزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات عن “اختلالات جسيمة” في تدبير الصفقات العمومية وسندات الطلب داخل المجالس المنتخبة. وتُشير التقارير إلى أن هذه الممارسات لا تقتصر على الهدر المالي فحسب، بل تُستخدم أيضاً لخدمة أجندات انتخابية ومحاباة مقربين، مما يُعرقل جهود التنمية ويُقصي المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
تُظهر التحقيقات أن بعض الشروط التقنية في دفاتر التحملات يتم “تفصيلها” بشكل مسبق لإقصاء الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يتنافى بشكل صارخ مع سياسة دعم الشباب وخلق فرص الشغل، هذه الممارسات، التي تفتقر إلى الشفافية، تُعيق المنافسة النزيهة وتُعرّض المال العام للهدر.
لم تقتصر الاختلالات على الشروط التقنية، بل امتدت لتشمل تضارب المصالح الصارخ، فلقد سبق أن احتج مستشارون داخل المجالس الجماعية على قيام رؤساء جماعات ترابية بإنشاء شركات ومقاولات بأسماء مقربين منهم، ليتم منحهم بعد ذلك سندات طلب وصفقات عمومية بشكل مشبوه. وقد أثارت صفقات التغذية والسفريات والسيارات والمحروقات وتجهيزات التزيين وتدبير المساحات الخضراء جدلاً واسعاً بسبب التلاعب في الأرقام والفواتير.
“نفخ” الفواتير وغياب الرقابة
أحد أبرز مظاهر الفساد يتمثل في التلاعب بالفواتير و”النفخ” فيها بالتواطؤ مع الجهات المزودة، بالإضافة إلى عدم مطابقة الأشغال للجودة المطلوبة، مع تغاضي بعض الجهات المراقبة عن هذه التجاوزات، كما تم رصد صفقات لاقتناء معدات وتجهيزات لا يتم استعمالها لأسباب متعددة، مثل آليات تسجيل الحضور أو تلك التي تنظم قاعات الانتظار، والتي ظلت معطلة في جل الجماعات الترابية.
في ظل المطالب المتزايدة بترسيخ الشفافية والنزاهة في سندات الطلب والصفقات العمومية، وتفعيل المحاسبة بشأن كافة الاختلالات، تُبذل محاولات من قبل بعض القيادات الحزبية للتغطية على فساد رؤساء الجماعات والدفاع عنهم في التشريعات القانونية الجديدة، بيد أن المسؤولية تقتضي المحاسبة في كل الأحوال، وتبقى ضرورة إغلاق “مداخل الابتزاز” عبر القانون والعقوبات الرادعة أمرًا حتميًا.
وأرجع تقرير للمجلس الأعلى للحسابات حول تنفيذ الصفقات العمومية بواسطة سندات الطلب لغياب المنافسة الحقيقية إلى ضعف نظام المراقبة الداخلية، كما رصد المجلس لجوء بعض الجهات إلى تجزئة النفقات لتنفيذها بواسطة سندات الطلب وتفادي الصفقات العمومية، وما يرتبط بها من إجراءات طويلة وآجال قانونية.
ويُشير التقرير إلى أن القضاء على الفساد المتفشي في الصفقات العمومية وسندات الطلب لن يتم في ظل الإفلات من العقاب، وتعثر وتأخر التحقيقات الإدارية والقضائية، والتراخي في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فمعايير الصفقات العمومية في المغرب توازي تلك المعتمدة في الدول المتقدمة من حيث التمويل، ولكن جودة التنفيذ تبقى بعيدة عن تطلعات المواطنين، والسبب الجذري لذلك هو “فيروس الفساد”.