مؤثر جداً.. القاسمي يكتب بأنامل حزينة وقلبٍ جَريِح : وداعاً صديقي أنوار ستبقى حيًّا في قلوبنا

تم النشر بتاريخ 10 يونيو 2024 على الساعة 1:21

جريدة العاصمة/ بقلم : محمد القاسمي

 

وداعًا صديقي العزيز ستظلُّ حياًّ في قلوبنا

الموتُ الخؤون يخطف مِنا أخاً عزيزا ، وصديقا كريماً، القارئ الماهر ، المنشد الكبير : أنوار بانا، اللطيفُ الجميل ، صاحب الخلقِ العظيم، الصديق الذي عرفناه ونحن أطفال صغار، جمعتنا به سنوات طوال ، فتحنا أعيننا فوجدناه محبوبَ الجميع، صوتاً جوهريا ، ومزمارا من عالم السماء، لا نسخة أخرى منه أو ستشبهه، كان استثناء في فنه وسماعه وإنشاده ، ارتبط اسمه بذكريات خالدة ، لا ولن تنسى برحيله أبداً، نحتسبه شهيدا عند الله، فقد عانى الكثير مع المرض الخبيث ، فكان مؤمنا صبورا محتسبا ، ذاكرا مفوضًا أمره للواحد القهار .

 

كم تألمت لخبر مرضه وأنا حينها في السجن ، مغلول بين أربعة جدران ، فبعثُّ إليه رسالةَ الأمل في الشفاء وتمني اللقاء، فقدّر الله له البقاء حتى تم اللقاء والعناق ، وخلال كل زيارة كنَّا نراه تتمزق قلوبنا لأجله، تترك فينا دهشة تغير الأحوال، آخر زيارة له قبل أيام أصابتني نوبة حزنٍ وبكاء غصباً عني، لم أتمالك نفسي وأنا أرى تغير أحوال وألون هاته الحياة الفانية بفناء أصحابها ، ماهذا الوجود الموسومُ بالخيال والسراب !، والحلم الزائف بمشاغل الدنيا ومصالحها الواهية، كلما رأيته إلا وشعرت بالعجز ، وبمشاعر كثيرة ، كانت لي بمثابة مدرسة أخرى في الحياة بعد محنة السجن.

 

تأسفت لوضع صديقي أنوار وأنا الآخر منهك بسرطان في النفس وعائد من محنة ثلاث سنوات في زنزانة انفرادية بئيسة، لم أشفى من مخلفاتها بعد ، كم مرة كتبت في يومياتي أنَّ المحن تكشف معادن الرجال، وكم من شخصٍ كنا نحسبه رجلا فوجدنا العكس في مثل هاته المواقف ، مِحنة أنوار جعلتني أرتِّب أوراقي في موضوع الأصدقاء وجدلية الأوفياء ولازلت أذكر يوم قال لي “أصدقائي تخلوا عني وقليل منهم من يسأل عني ” ، للأسف مجموعة من المادحين والمسمعين يعود الفضل الكبير لما هم عليه اليوم للراحل أنوار لكنهم نسوه وتناسوه ليواجه محنته بمفرده، لكن الرجل عائلته والأوفياء من أصدقاء مهم جار الزمان وتغيرت ألوانه ومواجعه …

 

في أحايين كثيرة تجد نفسك وحدك وأنت تواجه قدرك المحتوم ، وهذا أقسى على المريض من المرض نفسه، كم تألمت لوطني الذي لا يملك المعاملة الكريمة والعناية اللازمة لمرضى السرطان، فقد حكى لي الراحلُ أنوار يوماً أن مستشفياتنا العمومية لا تملك شيئا يحفز المُصاب على الرغبة في الحياة ، مستشفياتنا وأطرنا الطبية تُنَفِّر المواطن من وطنه ، كلامهم ومعاملاتهم ووسائلهم العلاجية كلها أشياء تقتل الإنسان قبل الممات، واقعٌ مؤلم يجعل المريض يسأل الله الموت لا الانتظار ، ولهذا عِلية ُ القوم ومن لهم المال والجاه يتوجهون إلى الخارج لأجل التطبيب ولا يثقون في إمكانيات وطنهم المبُتلى .

 

نعم إنه قدرُ الفقراء ، عُموما اختلفت الأسباب والموت واحدٌ، الموت المصيبة ، الحقيقة المرة التي لابد منها، التي تجعلنا نستيقظ من الوهم المريح، هذه الحقيقة التي نهرب منها ولايتقبلها الا القليل منا، الموت الفاجعة التي عندما تخطف أحدنا خلسة نشعر بصدمة تتلجلجل في أعماق الأعماق، تجعلنا نعيد شريط حياتنا وذكرياتنا مع من تمت سرقتهم منا قهرا، لا نملك طاقة لمواجهة هاته الحقيقة المؤلمة لكل موجود فوق أرض البسيطة ، رحمك الله صديقي أنوار ورزق أسرتك وإخوتك وأحبابك وكل أهلك الصبر والسلوان ، لله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء بأجل مسمى ، وإنا لله وآنا اليه راجعون ..

 

ملاحظة مهمة : هذه تعزية لعائلة الراحل ورسالة لمن يهمهم الأمر ، وليست تدوينة وصورة لجمع اللايكات والمتاجرة بمآسي الناس ، وانتهز الفرصة من خلال هاته الكلمات لأعبر لبعض (الأصدقاء) بين قوسين، على موقفي الخاص من نشر صور الراحل أثناء مرضه في أيامه الأخيرة لأنها لا تتضمن أي اضافة لعائلته سوى المزيد من الحسرة والألام والأحزان ، من أراد التضامن فليقصد داره وزوجته وأبناءه ويقدم دعمه المطلوب ماديا ومعنويا .

 

رحمك الله أخي أنوار ، ستبقى حيًّا وخالداً في قلوبنا .

 

وداعا صديقي 😢

 

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق