جرائم من الأرشيف/مجزرة تصفية محام وزوجته… المكالمة الفاضحة_مثلوا بجثتيهما وطحنوا لحمهما ورموا عظامهما في واد الشراط ورقاقة هاتف المحامي تقود إلى تحديد الجناة
تم النشر بتاريخ 19 ديسمبر 2024 على الساعة 15:05
جريدة العاصمة / خليل المنوني
شكلت الجريمة- المجزرة، التي راح ضحيتها محام بهيأة مكناس وزوجته حدثا شغل الرأي العام المحلي والوطني، ولغزا حير المحققين واستنفر كل الأجهزة الأمنية بمكناس، بتنسيق مع نظيرتها بالرباط، من أجل الكشف عن خيوط وملابسات هذه الجريمة، التي وقعت بتاريخ 16 فبراير 2006 بمكناس، قبل أن تسفر التحريات التي باشرها المحققون عن إيقاف أحد المتهمين بالرباط، الذي قاد التحقيق معه إلى الكشف عن باقي الجناة، الذين جرى إيقافهم الواحد تلو الآخر.
مجزرة مع سبق الإصرار
كرونولوجيا الزمان تشير إلى بعيد مغرب 16 فبراير 2006، عندما كان المحامي (إبراهيم حسيتو)وزوجته (مرية بناني)قافلين كالعادة إلى منزلهما بحي النجارين بالمدينة العتيقة بمكناس، ولم يتوقعا أن عجلة حياتهما ستتوقف عن الدوران في تلك الليلة الباردة والمطيرة من فصل الشتاء. كان الأجل المحتوم ينتظرهما، بل الجناة يترصدوا لهما بهدف دق آخر مسمار في نعشيهما، الشيء الذي حصل فعلا بعد محاولتين سابقتين باءتا بالفشل. هم الضحيتان بفتح باب شقتهما بالطابق الأول، الواقع مباشرة فوق المحل الخاص بشواء اللحم المفروم(الكفتة)، ليفاجئهما الجناة بضربات قوية بواسطة قضبان حديدية على رأسيهما أردوهما قتيلين، مستعينين بجهاز(في سي دي (رفعوا مؤشر صوته إلى أعلى درجة حتي لا يسمع أحد صراخهما. سحبت جثتا الضحيتين إلى الطابق الثاني، حيث يوجد بيت أحد الجناة، وهناك واصلوا تنفيذ عملهم الإجرامي، الذي خططوا له بإتقان.
فبعد تجريدهما من ملابسهما وإحراقها في فرن تقليدي، قام الجناة بفصل لحمهما عن العظام بواسطة سكاكين ومناشير أحضروها لهذا الغرض، قبل أن يطحنوا اللحم بآلة الفرم ليحولوه إلى “كفتة آدمية”، عمدوا إلى خلطها بالماء وصبوها في قنوات الصرف الصحي في محاولة يائسة لإخفاء معالم الجريمة، بينما عملوا على تقطيع العظام إلى أجزاء صغيرة، بما فيها عظام الجمجمتين، باستخدام آلات خاصة، ووضعوها داخل حقيبة كبيرة الحجم، ليقوموا بنقلها على متن سيارة خفيفة إلى تمارة، إذ ألقوا بها في وادي الشراط.
لم يكتف الجناة بقتل الضحيتين، بل دخلوا إلى منزلهما واستولوا على حلي من المعدن الأصفر في ملكية الضحية (م.ب)، فضلا عن بعض الملابس والعطور ومبلغ مالي وهاتف محمول من نوع (موتورولا) في ملكية المحامي الضحية، وهو الهاتف الذي سيكون السبب في الوصول إلى الجناة.
المكالمة الفاضحة
أمام مجزرة بهذا الشكل، كان لا بد من وضع اليد على الجناة، وهو ما قامت به الشرطة القضائية بمكناس، فور علمها باختفاء المحامي وزوجته، عن طريق شكايات تقدمت بها عائلتيهما إلى المصالح الأمنية. انتقل المحققون إلى البيت، الذي يوجد بحي النجارين وبعده إلى بيت والدي المحامي بالحاجب، حيث كان يقيم قبل زواجه، دون أن تعثر لهما الشرطة على أثر.
لم تقدم التحريات الأولى أي جديد يذكر، خاصة أن الجريمة خطط لها بإحكام، إلا أن إغفال الجناة إغلاق الهاتف المحمول للمحامي سيعجل بوقوعهم سريعا في يد العدالة، إذ عجلت مكالمة واحدة من طرف مولدة بالرباط استقبلها هاتف المحامي بالوصول إلى الخيوط الأولى للجريمة. ساعتها أدركت عناصر الضابطة القضائية أن الجناة يتوزعون بين الرباط ومكناس.
وقادت التحريات والأبحاث التي باشرها المحققون إلى الوصول إلى المولدة، التي أرشدتهم إلى زوجة المهاجر، التي كانت على علم بارتكاب زوجها جناية القتل. وبعد الاستماع إليها تمهيديا في محضر قانوني، صرحت المعنية بالأمر أنها تسلمت الهاتف من زوجها، الذي طلب منها في ما بعد التخلص من رقاقته، التي عثر عليها منشطرة في مجرى الصرف الصحي بمنزلها بالرباط. بعد ذلك تم الوصول إلى العناصر الرئيسية التي كانت وراء ارتكاب الجريمة، ضمنها العقل المدبر للمجزرة، الذي اعتقل بإسبانيا بناء على مذكرة بحث دولية، قبل أن يجري إيقاف الجناة الواحد تلو الآخر، ضمنهم أحد الإخوة الجناة، الذي توفي بالسجن المحلي سيدي سعيد، والقضية ما تزال في مرحلة التحقيق.
النزاع حول رفع الضرر
الدافع إلى الجريمة وجود نزاع قديم امتد لسنوات طويلة بين عائلة الجناة وعائلة زوجة المحامي، حيث كان يجمع بينهما سكن واحد، إذ كانت العائلة الثانية تسكن في الطابق الأول، فيما كانت العائلة الثانية تسكن في الطابق الثاني، وتكتري أيضا محلا لبيع اللحم المفروم في المحل الذي يوجد أسفل البيت في المدينة العتيقة بمكناس.
وقد حدث نزاع بين العائلتين حول الضرر الذي يخلفه الدخان المنبعث من محل المشواة، والضجيج الذي يحدثه الزبائن، وهو ما أقلق راحة عائلة الزوجة الضحية، التي طالبت بواسطة أكثر من شكاية برفع الضرر عنها، في وقت كان الجناة يرون أن إغلاق المحل هو الضرر عينه، خاصة أن المحل عرف بكثرة زبائنه، ويدر دخلا جيدا على أصحابه، وبإغلاقه قد تسد أمامهم كل أبواب الرزق، فكان النزاع يتطور يوما بعد آخر، ولم يكن أكبر المتشائمين يتصور أن يتطور الخلاف يوما بعد كل هذه السنوات إلى جريمة قتل مزدوجة، اهتزت لها مكناس وكل المدن المغربية، التي وصلها الخبر سريعا عبر وسائل الإعلام.
33 جلسة لمحاكمة الجناة
بلغ مجموع جلسات محاكمة الجناة 33 جلسة بالتمام والكمال، بعدما وجدت المحكمة نفسها مجبرة على إرجاء البت في القضية لأسباب ودواع مختلفة. ولعل أبرز هذه العوامل صعوبة انتداب محامين للدفاع عن المتهمين من خارج هيأة مكناس، خصوصا مع امتناع محامين من الهيأة ذاتها عن الانتصاب للدفاع عن الجناة في سائر مراحل المحاكمة، بحكم انتصابها طرفا مدنيا في القضية، لانتماء المحامي الهالك إليها، قبل أن يوكل المتهمون محامين من هيأة خارج أسوار العاصمة الإسماعيلية لمؤازرتهم ابتدائيا واستئنافيا.
عقوبات مشددة في حق الجناة
بعد المداولة في آخر الجلسة، التي امتدت إلى ساعات متأخرة من الليل، أصدرت غرفة الجنايات قرارها في الملف، إذ قضت بإدانة المتهمين الشقيقين(ع.ب) و(م.ب)، صاحبي محل للجزارة وبيع اللحم المفروم بحي النجارين بالمدينة العتيقة بمكناس، والمتهم (ع.ع)، مهاجر بالديار الإسبانية، بالإعدام، وهي العقوبة التي صدرت في حق المتهم(ب.ر)، الذي كان يعمل في صفوف الوقاية المدنية، بعد مؤاخذتهم من أجل تكوين عصابة إجرامية، والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد أعقبته جناية السرقة الموصوفة، والتمثيل بجثة وإخفائها. كما قضت الغرفة ذاتها بمعاقبة متهمة خامسة(زوجة المتهم الثالث)، توبعت على ذمة القضية نفسها، بـ 15 سنة سجنا نافذا، في حين حكمت بسقوط الدعوى العمومية في حق المتهم(ب.ع)شقيق الظنينين الأول والثاني، الذي كان توفي بالسجن المحلي (سيدي سعيد) بتاريخ 10 فبراير 2007، نتيجة مضاعفات مرض مزمن أصابه خلال مرحلة التحقيق في القضية.