الجدل حول العلمانية بالمغرب..بنكيران يفشل في مواجهة الوزير التوفيق
تم النشر بتاريخ 4 ديسمبر 2024 على الساعة 11:51
جريدة العاصمة
بالنسبة لكثير من المتتبعين، فقد فشل عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في المعركة الكلامية التي نشبت بينه وبين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، حول قضية “العلمانية” في المغرب.
فقد حاول بنكيران أن يركب على موجة تصريحات الوزير التوفيق في مجلس عندما تحدث عن “علمانية المغاربة” في تفاعل له مع أسئلة شفوية بمجلس النواب. وخصص جزء من كلمته في تجمع بمنطقة أولاد برحيل بنواحي أكادير لانتقاد تصريحات التوفيق، لكن رد هذا الأخير كان سريعا، وجاء عبر رسالة مفتوحة موجهة للأمين العام لحزب “المصباح” نشرت في جريدة “العمق المغربي”.
وحاول بنكيران أن يستفيد من موجة الانتقادات الموجهة إلى الوزير التوفيق من قبل فاعلين كثر في الحركة الإسلاميين، وأن يستفيد من موجة الرفض التي قوبلت بها خرجة الوزير التوفيق من قبل جزء من التيار المحافظ. ويرى الكثير من المتتبعين إلى أن استحضار بنكيران لهذا السياق، يندرج في إطار مساعي يبذلها إلى إعادة حزبه إلى الواجهة، بعد النتائج الكارثية التي حققها في انتخابات ٢٠٢١. لكن الخرجة لم تكن موفقة. وفشل لاحقا في مجارة الوزير التوفيق في نقاش كبير.
وحاول بنكيران لاحقا أن يصحح من أخطائه في مواجهة الوزير التوفيق، وقال في رسالة تشبه رسالة اعتذار، إن يعرف القناعات المعتدلة والرصينة للوزير التوفيق. كما ذهب إلى أنه حاول في تجمع أولاد برحيل أن يتجنب ذكر اسم الوزير التوفيق، وأوضح أن المقصود بانتقاداته هم “المستغلون سَيِّئُو النَّوايا الذين يتربَّصون بالبلد وبمرجعيته وبثوابته الدوائر”، وقدم اعتذاره من الوزير التوفيق، لكنه تفادى الخوض في القضايا الكبرى التي طرحه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، معتبرا بأن “الحوار بين ما هو إسلامي في دولتنا وما يمكن أن ننعته بأنه من خلفية علمانية فموضعه وقت آخر وظرف آخر نرجو أن يجود الزمان به”.
وكتب الوزير التوفيق رده الذي عنونه ب”شكوى إلى الله موجهة، قصد الاطلاع، إلى الأستاذ عبد الإله بنكيران”، بلغة عربية متعالية وضمنها الكثير من الأفكار الكبرى حول النقاش المرتبط بالعلمانية والإسلام. وأكد بأنه في تصريحاته لم يشر إلى أن الدولة المغربية دولة علمانية، كما ذهب إلى ذلك بنكيران، “لأن الدولة دولة إمارة المؤمنين، وأنت تعرف أنني، بفضل الله، خديماً في باب تدبير الدين منذ أزيد من عقدين من الزمن”.
وأورد أن الشخص الذي حاوره في الموضوع، في إشارة إلى وزير الداخلية الفرنسية، هو مسؤول نبيه يعرف المغرب، وهو متدين في نفس الوقت، ولكنه يعيش في نظام لا يرى الدين حاجة جوهرية للإنسان يجب أن تحميها الدولة، ولكل وجهة هو موليها.
وقدم عددا من المعطيات المهمة التي تدعم تصريحاته، موردا وهو يخاطب بنكيران، بأنه رئيس حزب سياسي عصري، والحزب السياسي العصري مقتبس من نظام غربي علماني.
كما ذهب إلى أنه منتخب على أساس تكافؤ أصوات الناخبين بغض النظر عن معتقداتهم وسيرهم، وهذا الأمر مقتبس من نظام غربي علماني.
وأورد بأنه عندما كان رئيساً للحكومة فقد اشتغل على نصوص قوانين تخدم المصلحة العقلانية وتُعرض على تصويت البرلمان، وهذا أمر مقتبس من نظام غربي علماني.
وقال إنه كان عليه أن يقتنع كرئيس للحكومة، أن يقتنع بالحريات الفردية كما ينص عليها الدستور وتحميها قواعد النظام العام، “وهذا أمر مقتبس من سياق غربي هو سياق العلمانية”.
واستعرض عددا من الأفكار حول قيم الاجتهاد وحرين الدين، وأكد أن النعمة في المغرب أن إمارة المؤمنين تحمي تلك القيم المجتمعية من جهة الدولة وتحمي الدين بتيسير العبادات كمطلب أساسي لأغلبية الناس، وهو ما يتوافق مع جوهر تلك القيم العقلانية إلى أقصى حدود الاجتهاد.
كما تحدث عن السياقات التاريخية والسياسية المتنوعة للعلمانية، كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا وألمانيا.
وخلص، في هذه الرسالة إلى أن “السياق المغربي بخلفياته التاريخية ومؤهلاته الحاضرة مبشر بإمكان بناء نموذج يحل عدداً من المشاكل الفكرية للأمة وهي متعثرة في أوحال التخبط في العلاقة بين الدين والسياسة، ولكن الأمر يتوقف على توحيد الله بدل إطلاق العنان للأنانية وهي الشرك الخفي. والحالة أن الله الذي أجرى ويجري أحوال الناس قد أرشدنا إلى فتح البصائر على هذا المشترك الإنساني في سنن الصلاح والفساد”.