هاجر القاسمي تكتب : “قصص الدارجة المغربية: بين الحرية الإبداعية وتهديد قيم المراهقين”

تم النشر بتاريخ 4 أكتوبر 2024 على الساعة 17:09

في الآونة الأخيرة، شهدت الساحة الأدبية والإعلامية المغربية انتشارًا متزايدًا لقصص مكتوبة بالدارجة، تحاكي الحياة اليومية وتستهدف فئة الشباب، خصوصًا المراهقين, هذه القصص تقدم تجربة جديدة وفريدة بلغة يفهمها المراهقون ويتفاعلون معها بسهولة. إلا أن الأمر أثار جدلاً واسعًا حول محتواها وتأثيرها على القيم الأخلاقية والدينية, فبين الإبداع الحر والرسائل الخطرة، يقف المراهق المغربي أمام قصص قد تشكل تهديدًا لنمط تفكيره وأخلاقياته.

إقبال المراهقين على قصص الدارجة: لغة قريبة ومحتوى جذاب

يجذب هذا النوع من القصص المراهقين بشكل كبير لعدة أسباب، أبرزها استخدام اللغة الدارجة التي تشكل جزءًا من حياتهم اليومية، يجد الشباب أنفسهم في هذه القصص من خلال شخصيات ومواقف تشبه ما يعيشونه في حياتهم، ما يجعلهم يشعرون بالارتباط والانتماء. هذه القصص تعكس أيضًا جزءًا من تحدياتهم وتطلعاتهم، وتفتح أمامهم نوافذ على عوالم قد تكون أحيانًا محظورة أو بعيدة عن تجربتهم الواقعية.

ورغم أن البعض يرى في هذا النوع من الأدب فرصة للتعبير عن مشاكل وقضايا المراهقين بطريقة واقعية وصريحة، إلا أن هناك مخاوف حقيقية تتعلق بمحتوى هذه القصص، حيث أنها تتناول أحيانًا مواضيع حساسة دون مراعاة للعواقب.

محتوى الرسائل الخطرة: بين الترويج للمثلية والعنف

العديد من هذه القصص تطرقت إلى مواضيع مثل المثلية الجنسية، والعلاقات خارج إطار الزواج، والعنف، وهي مواضيع تُعتبر من المحرمات في الثقافة المغربية، بعض القصص تقدم هذه المواضيع بطريقة تجعلها تبدو كأمور عادية أو حتى مرغوبة، وهو ما يُقلق العديد من الآباء والمربين الذين يرون أن هذه الرسائل قد تؤثر سلبًا على الشباب، غياب التوجيه الأخلاقي أو الديني في هذه القصص يجعلها تمرر رسائل قد تتعارض مع المبادئ التي تربى عليها المراهق المغربي.

ومن هنا يظهر الخطر الأكبر: هذه القصص لا تعالج المواضيع بشكل تربوي بل تقدمها كحقائق أو خيارات مشروعة، مما يعزز من شعور الشباب بالحيرة والتشويش.

تأثير القصص على القيم الدينية والاجتماعية للمراهقين

تعتبر المراهقة فترة حرجة تتشكل فيها هوية الشخص، وتكون القيم الدينية والأخلاقية عرضة للتغيير أو التأثير. القصص التي تتناول مواضيع حساسة قد تدفع بالمراهقين إلى إعادة النظر في بعض القيم التي تم تعليمها لهم في المنزل أو في المدرسة. المراهق الذي يتعرض لقصص تروج للعنف أو العلاقات الجنسية المحرمة قد يبدأ في تبني أفكار جديدة تتعارض مع تقاليد وأخلاقيات مجتمعه.

في ظل هذا التأثير، يجب على الأسرة والمجتمع التدخل للحفاظ على الهوية الثقافية والقيم الأخلاقية للمراهقين، ومنعهم من الانجراف وراء رسائل قد لا تعكس الواقع الحقيقي.

مساهمة القصص في التأثير على مفهوم الزواج:

تساهم القصص المكتوبة بالدارجة في تقويض مفهوم الزواج من خلال تمرير رسائل تتعلق بالعلاقات الجنسية المحرمة، التي تتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي، تُظهر بعض هذه القصص نماذج لعلاقات غير مشروعة أو حالات من الخيانة الزوجية، مما يُرسخ فكرة أن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج طبيعية ومقبولة، هذا التصوير يقلل من قيمة الزواج كمؤسسة قائمة على الحب والالتزام، ويجعل المراهقين يُشككون في أهميته.

كما أن التعامل مع مواضيع مثل الجنس المحرم في الدين، الذي يُعتبر مخالفًا للتعاليم الإسلامية، يُساهم في خلق حالة من الارتباك الأخلاقي لدى الشباب، الرسائل التي تُمرر حول العلاقات المحرمة قد تشجع المراهقين على تقبل سلوكيات تتعارض مع القيم الأخلاقية والدينية، مما يؤثر سلبًا على نظرتهم للزواج والعلاقات الصحية.

بالتالي، فإن هذه القصص قد تؤدي إلى صراع داخلي بين ما يُعرض عليهم من ممارسات مُحرفة وما يتلقونه من تعاليم دينية، مما يهدد استقرار القيم الأسرية في المجتمع.

دور الآباء في مراقبة المحتوى المقدم للمراهقين

تحت تأثير التكنولوجيا وانتشار المحتويات الرقمية، أصبح من الصعب على الآباء مراقبة كل ما يقرأه أو يشاهده أبناؤهم. إلا أن الحوار المفتوح والمستمر بين الأهل وأبنائهم يبقى الحل الأمثل لمواجهة التأثيرات السلبية، يجب أن يكون الآباء على دراية بنوعية القصص التي يتابعها أبناؤهم، ومناقشتها معهم لتوضيح الأمور التي قد تكون غير مناسبة من الناحية الأخلاقية أو الدينية.

مراقبة الأبناء لا تعني منعهم من القراءة أو الاطلاع، بل توجيههم نحو المحتويات التي تتوافق مع قيمهم الدينية والثقافية. التوعية تلعب هنا دورًا محوريًا في تجنب تأثيرات سلبية قد تأتي من هذا النوع من القصص.

مسؤولية المؤلفين والناشرين: الإبداع يتطلب الوعي

على الرغم من أن المؤلفين يتمتعون بحرية إبداعية كبيرة، إلا أن عليهم تحمل مسؤولية اجتماعية تجاه جمهورهم من المراهقين. القصص التي يتم نشرها يجب أن تكون مدروسة بعناية، بحيث تأخذ بعين الاعتبار التأثير النفسي والتربوي على القارئ، تقديم مواضيع حساسة يجب أن يتم بأسلوب تربوي ومسؤول، حتى يتمكن القارئ من التفكير النقدي وتقييم هذه المواضيع بشكل إيجابي.

دور الإعلام في توجيه الشباب وحماية القيم

الإعلام يلعب دورًا حاسمًا في تشكيل وعي الشباب وتوجيههم نحو المحتوى الذي يتماشى مع القيم الأخلاقية والثقافية للمجتمع. من خلال تقديم برامج، مقالات، ومواد إعلامية تربوية، يمكن للإعلام أن يكون عنصرًا فعالًا في تعزيز النقاش حول المواضيع التي تهم المراهقين، بما في ذلك القصص المكتوبة بالدارجة.

لكن للأسف، العديد من وسائل الإعلام تغيب عنها هذه المسؤولية، وتكتفي بنشر محتويات قد تروج للعنف أو العلاقات المحرمة أو غيرها من المواضيع المثيرة للجدل، دون توجيه نقدي أو تربوي. هنا يأتي دور الإعلام المسؤول، الذي يجب أن يعمل على تقديم محتوى توعوي، يسهم في تعزيز القيم المجتمعية وتوجيه الشباب نحو التفكير النقدي والواعي.

على سبيل المثال، يمكن لبرامج الحوار والتوعية أن تفتح نقاشات عميقة حول هذه القصص، وتسلط الضوء على المخاطر المحتملة وتقدم نصائح حول كيفية التعامل معها، وهذا لا يقتصر على القنوات التلفزيونية التقليدية، بل يمتد إلى وسائل الإعلام الرقمية، التي أصبحت المصدر الرئيسي للمراهقين اليوم.

في نهاية المطاف، يجب تحقيق توازن بين الحرية الإبداعية في كتابة القصص وبين الحاجة إلى الحفاظ على القيم الثقافية والدينية. قصص الدارجة المغربية هي جزء من الهوية الثقافية الجديدة التي تعكس تنوع الحياة اليومية، ولكنها يجب أن تبقى موجهة بشكل لا يهدد الأخلاق والقيم. في الوقت نفسه، يجب على الآباء والمؤسسات التعليمية والاجتماعية أن يكونوا أكثر يقظة ووعيًا بالمحتوى الذي يصل إلى الشباب، لتفادي التأثيرات السلبية التي قد تترتب على ذلك.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق