بولمان.. جيل جديد من التنمية الترابية المندمجة.. هل يكسر حلقة الشعارات والتقارير المزخرفة؟

جريدة العاصمة

في ظل زخم اللقاءات التواصلية والعناوين الرنانة التي تؤطر التوجيهات الملكية السامية، يواجه برنامج “جيل جديد من التنمية الترابية المندمجة” في بولمان تحديًا جوهريًا: هل سيتمكن من تجاوز فخ الشعارات البراقة والتقارير المزخرفة ليلامس واقع المواطنين ومعاناتهم الحقيقية؟

 

لطالما اتسمت مقاربة التنمية في المنطقة بالاعتماد على اجتماعات مكثفة مع المنتخبين والفاعلين والمهنيين والأطر، تُتوّج غالبًا بتقارير استقصائية “مزخرفة” بالكلمات، تبدو أقرب إلى “فن التطريز” منه إلى خطط عمل ملموسة وواقعية. هذه التقارير، رغم جمال صياغتها، كثيرًا ما تظل حبيسة الأدراج، بعيدة عن إحداث الأثر المرجو على الأرض.

Ad image

 

المشهد الحالي يستدعي وقفة جريئة مع الذات، ومواجهة صريحة لمكامن الداء، بعيدًا عن لغة المجاملات والحجج الواهية التي تبرر فشل بنوك المعلومات والمعطيات. فالتنمية الحقيقية لا تُبنى على الشعارات أو البروتوكولات الهشة، بل تتطلب نزولًا مباشرًا إلى الميدان، وملامسة حقيقية لمعاناة المواطنين اليومية، عبر زيارات ميدانية ولقاءات مباشرة مع من يعيشون هذه التحديات يومًا بيوم، وشهرًا بشهر، وسنة بعد أخرى.

 

يُطرح التساؤل حول مدى فعالية الفاعلين التقليديين في هذا المسار. فالمثقف، وإن كان يمتلك المعرفة، غالبًا ما يظل بعيدًا عن مرارة الواقع المعيش، ولا يذوق قسوة المشاكل كما يذوقها المواطن البسيط. أما المنتخب، الذي يُفترض فيه أن يكون جزءًا من الحل، فقد تحول في كثير من الأحيان إلى جزء من الإشكالية ذاتها، حيث لم يعد كونه “دائم العضوية” مبررًا لفعاليته.

 

ولا يختلف حال الفاعل الجمعوي كثيرًا، حيث فقد العديد منهم بوصلة العمل الميداني، وتجسد هذا الفشل في ضعف أداء هيئات كـ “المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع” التي افتقرت إلى الدور الحقيقي والأثر الملموس، لتصبح مجرد هياكل بلا فعل.

 

إن صعوبة إبرام شراكات فعالة بين الجماعات المحلية والجمعيات لتنزيل مشاريع تنموية واجتماعية، أو حتى ثقافية وتطبيقية، ما هي إلا تجلٍّ لعطب هيكلي أعمق في فهم جوهر التنمية ذاتها. فالتنمية لا تُقاس بعدد الاجتماعات أو حجم التقارير، بل بمدى قدرتها على تحويل الخطاب إلى واقع ملموس يلامس حياة الناس، وبقدرتها على القطيعة الجادة مع أساليب الماضي العقيمة التي أثبتت عدم جدواها.

Ad image

 

إن الجيل الجديد من التنمية الترابية المندمجة المنشود في بولمان لن يرى النور عبر الشعارات وحدها، بل يتطلب صدقًا في العمل، وربطًا فعليًا للمسؤولية بالمحاسبة، وإيمانًا راسخًا بأن المواطن هو محور كل جهد تنموي؛ هو الأصل، وهو الهدف، وهو المقياس الحقيقي لأي نجاح.

شارك المقال :
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *