وقفة الركوب على المآسي في قرية با محمد تسقط في اختبار الشارع”

جريدة العاصمة

 

خيّبت الوقفة التي دعت إليها ما تُسمى بـ”لجنة نداء الكرامة”، زوال الأحد 12 أكتوبر 2025 بساحة النهضة في قرية با محمد، كل التوقعات التي روّج لها منظموها بشعارات نارية وأوصاف من قبيل “محطة تاريخية”، حيث لم تحصد إلا حضورًا هزيلاً لا يتعدى العشرات، أغلبهم وافدون من خارج القرية، في مشهد فضح حجم الهوة بين الخطاب الشعبوي التعبوي والواقع الميداني.

 

الوقفة، التي رُفعت فيها لافتات تهاجم المؤسسات العمومية وتبخس جهود الدولة، اصطدمت بصمت واسع من ساكنة القرية التي اختارت عدم الانخراط في تحرك لم تجد فيه صوتًا يعكس أولوياتها أو يعبّر عن انتظاراتها الحقيقية، بقدر ما رأت فيه محاولة يائسة للركوب على معاناة الساكنة وتجييشها لخدمة أجندات مبهمة.

 

ورغم الشعارات التي حاولت تصوير قرية با محمد كمجال منسي ومحروم، فإن المعطيات الواقعية تفند هذا الخطاب، وتؤكد أن المنطقة تعرف تحولات مهمة، خاصة على مستوى القطاع الصحي، الذي يشهد إنجاز مركز صحي من المستوى الثاني، مكتمل البناء والتجهيز بأحدث الوسائل، في انتظار تزويده بالأطر الطبية والشبه الطبية، وهي الخطوة التي تتطلب نفسًا إداريًا واستراتيجيًا أكثر من هتافات موسمية في ساحة عمومية.

 

الجهات المسؤولة، وعلى رأسها عامل إقليم تاونات، تتابع هذا الورش الحيوي منذ انطلاقه، بشراكة مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وبتعاون مع المنتخبين المحليين والمجتمع المدني، في مشهد يبرهن على وجود إرادة مؤسساتية جادة للنهوض بالمنطقة. غير أن من يصرّون على التغاضي عن هذه الحقائق، ويختزلون التنمية في صورة سوداوية معدّة مسبقًا، إنما يعبّرون عن نوايا مسبقة لتشويه الواقع لا تغييره.

 

المثير أكثر هو أن بعض الوجوه التي ظهرت في هذه الوقفة لا تمتّ بصلة لقرية با محمد، وهو ما اعتبره عدد من المتابعين “استيرادًا للغضب” و”تأثيثًا مفتعلاً” لفضاء احتجاجي لم يحظَ بشرعية الشارع. فحين تعزف الساكنة عن المشاركة، فذلك ليس تعبيرًا عن اللامبالاة، بل رفض واعٍ لأساليب تبخيس المنجزات وشحن النفوس تحت عناوين مكرورة.

 

العدالة المجالية والاجتماعية لا تُختزل في لوحات مرفوعة أو خرجات إعلامية مرتجلة، بل تُبنى على الميدان، بالعمل الهادئ والمتابعة الجادة والاقتراحات المسؤولة. أما من يختارون الاصطياد في الماء العكر، فسرعان ما يجدون أنفسهم معزولين، بعدما تكشف الوقائع أنهم لا يملكون امتدادًا شعبياً حقيقياً، ولا مشروعًا تنموياً واضحاً.

 

قرية با محمد، كغيرها من مناطق المغرب العميق، تواجه تحديات واقعية، لكن مواجهتها لن تتم من خلال استعراضات باهتة، بل عبر الاستمرار في الضغط الإيجابي، والترافع المؤسساتي، والتعاون الجماعي من أجل تحسين الواقع بدل الاتّجار به.

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *