جريدة العاصمة
يشهد المشهد الحضري بمدينة مكناس زحفاً متسارعاً للقطاع العقاري على حساب الأراضي الفلاحية الخصبة، ما يثير قلقاً متزايداً بشأن التوازن بين التنمية العمرانية والحفاظ على الموارد الطبيعية. ففي الوقت الذي تبدو فيه المدينة قد بلغت مرحلة الاكتفاء الذاتي من حيث الوحدات السكنية، تبرز الحاجة الملحة إلى توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية التي توفر فرص العمل، مثل المجمعات الصناعية والمراكز التجارية والمرافق السياحية. هذا التوجه من شأنه أن يساهم في حل معضلة البطالة المتفشية، ويتيح للسكان القدرة الشرائية اللازمة لاقتناء المساكن المتوفرة، بدلاً من التوسع العمراني غير الموجه الذي يلتهم الأراضي الزراعية دون مردود اقتصادي أو اجتماعي ملموس.
لقد كانت مكناس، التي تُعرف بكونها عاصمة الفلاحة، تشتهر بخصوبة أراضيها وثرائها الزراعي، حيث تنتشر فيها بساتين الزيتون ومزارع القمح والخضروات والفواكه. لكن في الآونة الأخيرة، تحوّلت هذه الأراضي الخصبة إلى مساحات إسمنتية شاسعة، وذلك بسبب التوسع العمراني العشوائي. هذا التحول ينذر بتداعيات وخيمة على المدى القريب، ليس فقط على الهوية الفلاحية للمدينة، بل على مستقبل الأمن الغذائي للمنطقة ككل.
وفي ظل هذه التحديات، تُوجّه أصابع الاتهام إلى مافيا العقار التي تستغل الأراضي الزراعية في غياب رقابة، ما يطرح تساؤلات حول دور الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الفلاحة، في حماية الثروة الفلاحية للوطن، إن التهاون في حماية هذه الأراضي يؤدي إلى عواقب وخيمة، أبرزها ارتفاع تكاليف المعيشة نتيجة تراجع الإنتاج الزراعي.د، لذا، فإن الأمر يتطلب تدخلاً عاجلاً لوقف هذا النزيف العقاري، ووضع استراتيجية تنموية شاملة تأخذ في الاعتبار أهمية الحفاظ على الأراضي الفلاحية كركيزة أساسية للأمن الغذائي والاقتصاد المحلي.

