جريدة العاصمة
في مفارقة صادمة تتنافى وطموحات المغرب التنموية، تتكشف حقائق صادمة حول انتشار الأمية بين صفوف المنتخبين، من رؤساء جماعات ترابية وبرلمانيين، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى كفاءتهم في تدبير الشأن العام والمال العام، ويضع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على المحك.
لطالما تغنت الأحزاب السياسية بمحاربة الأمية وضرورة تخصيص ميزانيات ضخمة لذلك، إلا أن الواقع يكشف أن العديد من هؤلاء المنتخبين، الذين يزكونهم ويصلون بهم إلى مناصب المسؤولية، لا يتقنون القراءة والكتابة، بل إن بعضهم يجهل حتى التوقيع، ويكتفون بخطوط عشوائية تذرف الدموع لاحقًا أمام القضاة، مبررين تورطهم في قضايا الفساد وجرائم الأموال بعدم درايتهم بمحتوى الوثائق التي وقعوا عليها.
إن تسليم مسؤولية تدبير المال العام، والإشراف على الصفقات العمومية، وترؤس الدورات الرسمية، إلى جانب إدارة ملفات الشأن العام المحلي، لأشخاص لا يملكون الحد الأدنى من الكفاءة والتجربة، ولا يلمون بالقوانين التنظيمية، يعد كارثة حقيقية. فكيف لمنتخب أمي أن يتحكم في رقاب الموظفين ورؤساء الأقسام الحاصلين على شهادات عليا؟ بل وكيف يمكنه اتخاذ قرارات مصيرية كالتنقلات الإدارية، متذرعًا بتحسين المردودية، في حين أن الهدف الحقيقي قد يكون تلبية لرغبات شخصية أو تصفية حسابات ضيقة؟
إن استمرار هذه الظاهرة يعرقل بشكل جلي مساعي المملكة نحو تسريع التنمية وتحقيق الجودة في تتبع المشاريع والصفقات العمومية. كما أنه يقوض مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي نص عليه الدستور، إذ كيف يمكن مساءلة مسؤول لا يدرك محتوى ما يوقعه من وثائق؟
في ظل المطالب المتزايدة بتحسين جودة الخدمات العمومية، وتشكيل فرق برلمانية قادرة على إنتاج قوانين تواكب التحولات المجتمعية والاقتصادية المتسارعة، بات من الضروري والملح وضع تشريعات قانونية جديدة تحدد المستوى التعليمي أو ما يوازيه من شهادات لشغل مناصب رؤساء الجماعات والبرلمانيين ورؤساء اللجان، إلى جانب تحديد حد أدنى من معرفة القراءة والكتابة لعموم المنتخبين.
مسرحية “التكوينات”: هدر للمال العام وفضيحة متواصلة.
والمثير للسخرية والبكاء في آن واحد هو تخصيص ميزانيات ضخمة لـ”تكوين” هؤلاء الأعضاء في تسيير الشأن العام. هذه التكوينات التي تتحول في كثير من الأحيان إلى “فرصة سياحية” للاستفادة من الإقامة في فنادق فخمة، ليعود بعدها المستفيدون إلى تحويل الدورات الرسمية إلى ساحات للملاكمة اللفظية والعنف والشتائم، وتبادل الاتهامات بالرشوة والاعتراف بالفساد أمام عدسات كاميرات الصفحات الفيسبوكية المؤجرة لتعميم الفضيحة.
فهل هذه الفضائح المتوالية تكفي لتصحيح المسار ومعالجة هذه الاختلالات الجسيمة، أم أننا ننتظر تآكل ما تبقى من ثقة المواطنين في المجالس المنتخبة، ودورها المحوري في تقديم الخدمات العمومية وحفظ السلم الاجتماعي؟