التأثير الروحي للزوايا الصوفية المغربية في إفريقيا.. الزاوية التيجانية بفاس نموذجاً
تم النشر بتاريخ 25 ديسمبر 2024 على الساعة 11:53
جريدة العاصمة / محسن النية
تُشكّل الزوايا الصوفية المغربية، بامتدادها التاريخي العريق وتأثيرها الروحي العميق، ظاهرةً دينية واجتماعية وثقافية بارزة امتدتْ جذورها عبر القارة الإفريقية، فقد لعبت هذه الزوايا دوراً محورياً في نشر الإسلام وتوطيده، ولم تقتصر وظيفتها على الجانب الديني فحسب، بل تعدّته لتشمل جوانب اجتماعية واقتصادية وثقافية متنوعة، مُساهمةً في تشكيل هوية العديد من المجتمعات الإفريقية، وتُعتبر الزوايا بمثابة مراكز إشعاع روحي وثقافي، تجمع شتات الأفراد حول مبادئها وطقوسها، وتُقدم نموذجاً للتعايش السلمي والتسامح الديني.
و تُعتبر الزاوية التيجانية بفاس، إحدى أبرز الزوايا الصوفية المغربية، مثالاً يُبرز هذا التأثير الواسع، فقد امتدّ نفوذها الروحي عبر مختلف مناطق إفريقيا جنوب الصحراء، من خلال الطلبة والمريدين والشيوخ الذين انتقلوا لنشر مبادئ الطريقة التيجانية وتعاليمها بإفريقيا، وقد ساهمت هذه الزاوية في تكوين شبكة واسعة من الروابط الروحية والاجتماعية، والتي ربطت بين المغرب وبين العديد من الدول الإفريقية، مُساهمةً في تعزيز التواصل والحوار بين الثقافات المختلفة.
و يتجلى التأثير الروحي للزاوية التيجانية بفاس، وكذلك الزوايا الصوفية المغربية عموماً، في إرساء قيم سامية كالتسامح والإخاء والعطف والرحمة، فهي لا تُركز فقط على الشعائر الدينية، بل تهتمّ أيضاً بتنمية الجانب الأخلاقي والروحي للأفراد، وتُشجع على التعاون والمساعدة المتبادلة بين أفراد المجتمع، وقد أدى هذا التأثير إلى تكوين مجتمعات متماسكة مترابطة، تُعرف بالتسامح والهدوء والاستقرار.
إضافةً إلى ذلك، ساهمت الزاوية التيجانية الصوفية المغربية، في حفظ التراث الثقافي الإسلامي وإحيائه في القارة الإفريقية، فقد حافظت هذه الزوايا على اللغة العربية ونشرتها، وساهمت في حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وعززت دور المدارس والزوايا في التعليم الديني والثقافي، وقد أثرى هذا التراث الثقافي المجتمعات الإفريقية وأضفى عليها بعداً روحياً ثقافياً غنيًا.
يُمكن القول إنّ الزاوية التيجانية بفاس بشكل خاص، شكلت تأثيرًا روحيًا عميقًا وممتدًا في إفريقيا، فقد ساهمت هذه الزاوية بمعية زوايا صوفية أخرى في نشر الإسلام، وتعزيز القيم الأخلاقية، وحفظ التراث الثقافي، وبناء مجتمعات متماسكة ومتسامحة. حيث ساهم هذا التأثير في تشكيل إرث ثمين تجسّد في تشكيل الهوية الثقافية والروحية للمجتمعات الإفريقية.