افتتاحية جريدة العاصمة.. طاليس الحسوني
ليست كل لحظات الوداع سواء، فحين يرحل رجل دولة ترك بصماته في الميدان، يكون الوداع مفعما بالاحترام والامتنان، لا بالبهرجة ولا بالتصنع.
هكذا كانت ليلة وداع عامل إقليم تاونات سيدي صالح دحا، ليلة اختلطت فيها دموع الوفاء بكلمات الاعتراف، ووقف فيها ممثلو الساكنة ورجال السلطة وفاعلون مدنيون وشخصيات محلية ليقولوا كلمة واحدة، لقد أديت الأمانة كما ينبغي، وكنت رجل المرحلة بكل المقاييس.
صالح دحا، الرجل الهادئ الذي اشتغل بصمت، كان يعرف أن العمل الميداني أبلغ من أي خطاب، لم يكن من هواة الظهور ولا من محترفي الشعارات، بل من أولئك الذين يفضلون أن تتحدث عنهم المنجزات لا العدسات، في عهده عرفت تاونات دينامية جديدة في تدبير الشأن الترابي، وتفعيل مقاربة القرب، واستعادة الثقة بين الإدارة والمواطن، وهو ما جعل رحيله يترك فراغا إنسانيا قبل أن يكون إداريا.
لكن، وفي الجهة المقابلة، لا يمكن أن نغض الطرف عن فئة صغيرة خرجت قبل أسابيع، تصرخ وتطالب برحيل الرجل، دون وعي أو إدراك لحقيقة ما يجري.
كان المشهد مؤسفا، لأن الأصوات التي علا صراخها لم تكن تحمل مشروعا ولا رؤية، بل كانت تصدر عن نية تصفية حسابات شخصية أو سياسية.
ولأن تاونات ليست مدينة تعيش على الفوضى، فقد رفض المجتمع بصمته الواعي تلك الفورة غير المبررة، تاونات كانت دائمًا أكبر من المزايدات، وأذكى من أن تستدرج إلى حملات تفتقر إلى المصداقية.
المعارضة المحلية، في كثير من الحالات، اختارت طريق النقد لأجل النقد، والعرقلة بدل الاقتراح، حتى باتت عاجزة عن التمييز بين من يخدم المدينة ومن يخدم ذاته.
إنها الحقيقة المرة التي يجب أن تقال بصراحة، من يهاجم كل مجهود ومنجز لمجرد أنه لا يصب في مصلحته، إنما يعكس ضيق الأفق، لا حب الوطن.
رحيل صالح دحا عن تاونات ليس نهاية قصة، بل بداية مرحلة جديدة يفترض أن تبنى على ما تحقق، لا أن تهدم باسم الحسابات الضيقة.
واليوم، ومع تعيين العامل الجديد على رأس الإقليم، تتطلع الساكنة إلى استمرار نفس الروح، روح الإنصات، والصرامة في خدمة الصالح العام، ومواصلة البناء على ما أنجزه السابقون.
من حق تاونات أن تحلم، وأن تتطلع إلى مستقبل أفضل، ومن واجب الجميع أن يتعاونوا، سلطة ومنتخبين ومجتمعا مدنيا لبلوغ ذلك الحلم.
فالأشخاص يرحلون، لكن الأثر يبقى، وصالح دحا، مهما حاول البعض التقليل من مكانته، سيظل واحدا من الذين مروا من هنا وتركوا خلفهم ما يثبت أن العطاء الصادق لا يحتاج إلى ضجيج.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نقول، شكرا صالح دحا على ما قدمت لتاونات من خدمة وتفان، ومرحبا بالعامل الجديد الذي نتمناه خير خلف لخير سلف، يسير على درب البناء ويكمل مسيرة من أحبوا هذه الأرض بصدق.

