جريدة العاصمة
يحيي المغاربة اليوم الخميس الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، وهي مناسبة وطنية تتجاوز مجرد الاحتفال بملحمة التحرير عام 1975 لتؤكد على فلسفة الدولة المغربية الراسخة في استكمال وحدتها الترابية، إن قوة المملكة تكمن في التلاحم التاريخي غير القابل للكسر بين العرش والشعب، وهو التلاحم الذي شكّل القاسم المشترك بين محطات وطنية مفصلية من طريق الوحدة عام 1957، مروراً بالمسيرة الخضراء، وصولاً إلى دبلوماسية الحكم الذاتي الراهنة.
يأتي الاحتفال بعيد المسيرة الخضراء في سياق يبرز تحولاً نوعياً في المواقف الدولية تجاه قضية الصحراء المغربية، فبينما كان المغرب في عام 1975 يطالب بحقه بناءً على الشرعية التاريخية والروابط القانونية التي أقرّتها محكمة العدل الدولية، أصبح اليوم، وبعد خمسة عقود من الصمود والبناء، يقود الحل السياسي الواقعي والمستقبلي المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي لسنة 2007.
وتُوج هذا المسار بقرارات أممية متتالية كان آخرها الاعتراف الصريح بأن مبادرة الحكم الذاتي هي المنطلق والأساس الجدي وذو المصداقية للمفاوضات، ما يمثل اعترافاً دولياً بعبقرية الرؤية المغربية التي انتقلت من التحرير إلى تدبير المستقبل.
المسيرة الخضراء، التي شارك فيها 350 ألف مغربي ومغربية متطوعين، لم تكن وليدة فراغ، بل هي ذروة ملحمية ضمن سلسلة من الملاحم الوطنية، إن وعي المغاربة بضرورة استكمال الوحدة الترابية بدأ مباشرة بعد الاستقلال المنقوص عام 1956، والذي ورث تراباً مجزأً بفعل التقسيم الاستعماري.
فكانت ملحمة طريق الوحدة عام 1957، لربط الشمال بالجنوب، أول تجسيد لعبقرية الإجماع الوطني، و شكل هذا الورش الوطني، الذي تجمّعت لأجله جموع المتطوعين على اختلاف مشاربهم الإيديولوجية تحت قيادة العرش، درساً أولياً لا يُمحى في أن القضايا الوطنية الكبرى تبنى بتلاحم العرش والشعب، واستمر هذا النفس الوحدوي من خلال استرجاع طرفاية في 1958 وسيدي إفني في 1969 بالدبلوماسية.
في مواجهة تعقيدات الحرب الباردة والمناورات الإقليمية، التي شهدت محاولات لخلق كيان انفصالي مصطنع، تلقت دعماً مالياً من أطراف إقليمية لاقتطاع الأراضي المغربية وخدمة أجندات جيو-سياسية معادية، جاء الرد المغربي بعبقرية استثنائية، فبعد صدور رأي محكمة العدل الدولية الذي أقر بالروابط التاريخية ولكنه رفض مبدأ السيادة، اعتبره الملك الراحل الحسن الثاني رأياً مسيساً، ليأتي القرار بتنظيم المسيرة الخضراء كاستدعاء لروح طريق الوحدة ولكن على نطاق أوسع، حيث انصهرت كل التباينات السياسية والإيديولوجية في تلك المسيرة، و انخرط 350 ألف مغربي متسلحين بـالقرآن الكريم والعلم المغربي، ليثبتوا للعالم أن قضية الصحراء هي عقيدة وطنية لا تقبل المساومة.
هذا الإجماع الداخلي الصلب هو ذاته الذي أفرز، برؤية ملكية متبصرة للملك محمد السادس، مبادرة الحكم الذاتي في 2007، التي تقوم على نفس فلسفة ملاحم الوحدة، حل سلمي، واقعي، قائم على التوافق، يضمن السيادة المغربية ويمنح السكان المحليين تدبيراً لشؤونهم.

